17 - 07 - 2024

مؤشرات | الغضب الشعبي سلاح في الحرب

مؤشرات | الغضب الشعبي سلاح في الحرب

تؤكد مختلف التجارب السياسية والأزمات في العالم أن القوى الشعبية والحراك البشري، ودعم قوى الشارع من مختلف الفئات، إلى جانب القوى الناعمة من مثقفين وفنانين ورياضيين وإعلاميين، وغير ذلك يلعبون دورًا في تغيير دفة التوجهات السياسية وتعديل مسار بوصلة الأحداث.

وللأسف كثير من الناس والقادة وصناع القرار يتجاهلون ذلك، دون أن يعطوه الأهمية المناسبة، وإذا ما حدث قد يأتي متأخرا، وربما لا يأتي من الأساس.

تجلي هذا بشكل واضح في الأزمة الكبرى التي تواجهها القضية الفلسطينية، متمثلة في الحرب الصهيونية على غزة بهدف تصفية الملف الفلسطيني ومحوه من الوجود، وفتح الأرض لتحقيق الحلم الصهيوني المزعوم، للدولة اليهودية التي لم يتم أي تعديل على خريطتها رغم كل الإتفاقيات، في الفكر والواقع الصهيوني والتي تحمل شعار "من النيل إلى الفرات".

وإنطلاقا من أهمية هذا القوى الناعمة جاء ضغط الناس على نجم مصر وليفربول محمد صلاح بشأن إعلان تضامنه مع أهل غزة في محنتهم، وجاء هذا الضغط الشعبي، على إعتبار أن صلاح أشهر بين الجمهور في العالم أجمع من أي نجم سينمائي، بل ربما الأشهر في كل الأوساط، وأشهر من رؤساء بعض الدول والأكثر تأثيرا على مواقع "صناعة الأحداث" المعروفة بـ"التواصل الإجتماعي".

وفي حالة مثل حالة محمد صلاح يخضع القرار لتقييم شامل ومستفيض جدًا، وفقًا للأجواء السياسية التي يعمل بها، والحفاظ على تواجده ليس كأيقونة في رياضة كرة القدم فقطـ، بل أيقونة عربية في العالم الغربي، وفي عالم يموج بالكراهية لكل ما هو عربي، ولهذا جاء قرار صلاح في اليوم الـ13 للأزمة التي بدأت في 7 أكتوبر، وإن سبقها بالإعلان عن تبرعه ماليًا لضحايا الحرب على غزة.

واهتمت مختلف وسائل الإعلام في العالم بكلمة محمد صلاح، والتي طالب فيها قادة العالم بالتدخل لوقف هذا العدوان، وإعلاء "الإنسانية" لإنقاذ أبرياء يموتون تحت نيران القصف في قطاع غزة الفلسطيني.

صحيح أن موقفا مماثلا آخر إتخذه الاعب الدولي الفرنسي كريم بنزيما ذو الأصول الجزائرية، بإعلان دعمه للفلسطينيين، وقوبل بحملة صاخبة من ساسة فرنسيين، لدرجة المطالبة بسحب الجنسية منه، وكل الأوسمة التي حصل عليها.

ولا شك أن ذلك يؤكد أهمية تأثير القوى الناعمة في قضايا الأمة، ومدى ردود الفعل والتعاطف معها أو ضدها، إلا أنها في النهاية لها تأثيرٌ محمود جدا، يدفع بالعديد من الأطراف أن تأخذها في حساباتها.

على نفس المسار يأتي الجانب الأهم والأكبر في كيفية توظيف ردود وتأييد قوى الشارع في مواجهة أزمات وطنه، وكيف يتم توظيفها في ظل أجواء من حرية التعبير، والتنوع والتعدد السياسي.

فالغضب الشعبي في كل الحالات له تأثيرات قوية، قد تطيح برئيس، وتأتي بآخر، وتقلب نظاما كاملًا إلى آخر بتوجه جديد ومختلف كليًا، وفي أعتى الأزمات يمثل الغضب الشعبي القوة السحرية في تغيير توجهات الأحداث، وتعديل قرارات كل الأطراف، وتراجع أطراف عن خططها ، إذا ما استشعرت أن غضب الشارع وقواه، ستدفع نحو بوصلة أخرى.

سحر وحدة التشارك وفق منهج مشترك على هدف واحد يدفع نحو قوة جديدة، يعمل لها الطرف الآخر ألف حساب، من خلال استخدام كل ما لديك من قوى ناعمة تدعمها قوة في الكلام ولغة الخطاب، والطرح والتفاوض والفعل والتهديد والتخويف.

ليس بالضرورة أن تستخدم قوة المواجهة لأنها أقل الأفعال التي تؤشر إلى مؤشر الضعف، إذا كان الذي أمامك جبانا ويستخدمها.

في الحدث الراهن الذي تخوضه الصهيونية في إسرائيل ومن وراءها في الولايات المتحدة، والغرب، وكل قوى صناعة الموت في العالم، يؤكد أن هذا الحشد وهذا الدعم الأمريكي الغربي، يؤكد غياب التكافؤ مع جزء من أرض فلسطين المحتلة، في قطاع غزة قوامه السكاني في حدود المليوني نسمة، على مساحة أرض 365 كيلومتر مربع، وهو ما يؤكد السعي الصهيوني العالمي نحو آلة الحرب لكسب شيء مما يسعى إليه.

وإفشال ذلك يتطلب دعم وتعاون كل القوى للمواجهة لدفع الآخر للوراء عن مزيد من الدمار والتخريب وتحقيق أحلامه وإفلاس من يقف خلفه. 

وتلك الخطوة الأولى لحين مجيء الفرصة للمواجهة التي تقود للتغيير..ربما .
-----------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | أفسحوا المجال للإبداع والإبتكار عربيًا